- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (014)سورة ابراهيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
حضور مجالس العلم فرضٌ لسلامتنا وسعادتنا ودخولنا الجنَّة :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ سورة اليوم سورة إبراهيم أبي الأنبياء عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام ، بسم الله الرحمن الرحيم :
﴿ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) ﴾
في هذه الآية مركز ثِقَل ، الظلمات والنور ، ربنا سبحانه وتعالى كَنَّى عن الهدى بالنور ، وكنَّى عن الضلال بالظلمات ، فالكافر في ظلماتٍ بعضها فوق بعض ..
﴿
لو أن الرجل دخل الأسواق ، وباع واشترى ، وليس له معرفةٌ في الله فهو في ظُلُمات ، أغلب الظن أنه يكسب مالاً حراماً ، أغلب الظن أنه يُسيء للآخرين ، فإذا كان مؤمناً ، مهتدياً ، متَّبعاً لكتاب الله فهو في نور ، يكسب ماله كلَّه حلالاً ..
(( عن عبد الله بن عباس : تُلِيَتْ هذهِ الآيةُ عِندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
أي حضور مجالس العلم ليس من باب أن نضيف إلى مُتعنا متعةً جديدة ، لا ، حضور مجالس العلم فرضٌ لسلامتنا ، وفرضٌ لسعادتنا ، وفرضٌ لدخولنا الجنَّة ، لأن الجاهل لا يستوي مع العالم ..
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
الرجل الذي يتزوَّج ولا يعرف الله سبحانه وتعالى قد يُخْرِبُ حياته بنفسه ، بيديه ، لأنه جاهل لا يعرف كيف يعامل الزوجة ، في ظلمات ، بساعة غضب يحلف عليها يميناً بالطلاق ، قد يتساهل في أشياء ، ينشأ اختلاط ، تنشأ محبَّةٌ ، تنشأ خيانةٌ ، كل ذلك بسبب أنه في ظلمات بعضها فوق بعض ، فالزوج المُنْقَطِعُ عن الله عزَّ وجل في ظلماتٍ بعضها فوق بعض ، والتاجر المنقطع عن الله عزَّ وجل في ظلماتٍ بعضها فوق بعض .
مهمة الأنبياء إخراج الناس من الظلمات إلى النور :
ما مهمَّة الأنبياء ؟ كأنَّ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية حدَّد مهمَّة النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿
أثمن شيءٍ يمنحك الله إياه في الدنيا أن تعرفه وأن تكون أديباً معه ومع خلقه :
لذلك :
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ
أثمن شيءٍ يمنحك الله في الدنيا أن تعرفه ، وأن تكون أديباً معه ومع خلقه ..
(( إذا أتاكُم من ترضَوْنَ دينَهُ وخلُقَهُ فزوِّجوهُ إلَّا تفعلوهُ تكنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ . ))
أثمن شخصيَّةٍ في الحياة شخصية المؤمن لأنه عرف الله ، سَمَتْ نفسه ، تفتَّح عقله ، تيقَّظ حسُّه ، نمت مشاعره ، يرى ما لا يراه الناس ، يسمع ما لا يسمعون ، يحتكم إلى القِيَم ، تحكمه القيم ، هذه صفات المؤمن ، المؤمن شخصيَّةٌ فذَّة ، كلمة مؤمن لقبٌ علمي ..
لقبُ مؤمنٍ لقبٌ جمالي ، المؤمن سعيدٌ بالله عزَّ وجل ، مطمئنٌّ إلى عدالته ، راضٍ بقضائه ، مستسلمٌ لقدره ، مصدِّقٌ لوعده ، يخاف من وعيده ..
﴿
﴿
فلذلك :
الهدى ثمنه طاعة الله عزَّ وجل وهو مبذول لكل الناس :
يا أيها الإخوة الأكارم ؛ كتاب الله بين أيدينا نقرؤه ، ونحفظه ، ونستمع إليه ، ونستطيع أن نستمع إلى تفسيره ، إذاً هذه مائدة الله سبحانه وتعالى ، يدعوكم الله إليها ، هذا كتابه ، هذه آياته ، هذه كلماته ، كتابٌ :
﴿
﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ
من يشاء من العباد ، يشاء يعود فاعلها على العباد ..
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا
الفرق بين السلامة والأمن هو أن السلامة ألا تُصاب بمصيبة ، ولكنَّ الأمن أثمن من السلامة ألا تتوقَّع المصيبة .. أنت من خوف الفقر في فقر ، ومن خوف المرض في مرضٍ ، وتوقُّع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها .
الله تعالى عزيزٌ حميد يُحْمَدُ على أفعاله وتصرُّفاتِه كلِّها :
﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ
(( وزادَ البَيْهَقيُّ بعدَ : ولا يَذِلُّ مَن والَيْتَ ، ولا يَعِزُّ مَن عادَيْتَ. ))
إذا كنت تبتغي العزَّة فإن العزَّة لله جميعاً ..
بطولة الإنسان أن يرضى عن الله في الشدة وعند الصدمة الأولى :
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ
يوم القيامة الله سبحانه وتعالى يكشف للرجل عن كل شيءٍ ساقه إليه في الدنيا ، فلا يسعه إلا أن يقول : الحمد لله رب العالمين ، يحمده على الضراء ، يحمده على الفقر ، يحمده على فقد البصر ، يحمده أن جعله عقيماً ، يحمده أن جعل له أولاداً إناثاً جميعاً ، يحمده أن جعله فقيراً ، يحمده أن جعله مريضاً ، يحمده أن جعله مُعَذَّباً ، لأن الله سبحانه وتعالى يكشف للمرء يوم القيامة عن كل شيء ساقه إليه فلا يسعه إلا أن يحمد الله عزَّ وجل ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله ، هذه من كلمات الإسلام الكبرى ، تقول في الصلاة :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾
إما أن تقولها بلسانك ، وإما أن يقولها قلبك ، فهل ترى أن كل شيءٍ ساقه الله لك يُحْمَد عليه ؟ هل أنت راضٍ عنه ؟
أن ترضى عن الله في الرخاء شيءٌ لا يكلِّف شيئاً ، شيءٌ بديهي ولكن البطولة ، ولكن الإيمان الصحيح أن ترضى عنه في الشدة ، وعند الصدمة الأولى أن تقول : يا ربي لك الحمد ، يا ربي لك الحمد على كل حال ، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أصابته ضرَّاءٌ صَبَرْ ، وكان إذا أصابته سَرَّاءٌ شَكَرْ ، وليس هذا لغير المؤمن ..
(( عن صهيب بن سنان الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ . ))
نعمة الهدى أثمن نعمة ينالها الإنسان :
كل ما في السماوات والأرض مِلْكٌ لله مُلْكَاً وتصرُّفاً ومصيراً :
الكافرون موتهم محقَّق وهلاكهم محقَّق وشقاؤهم محقَّق ودخولهم النار محقَّق :
كل ابنِ أنثى وإنْ طالتْ سلامته يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ
فإذا حملـــــــــتَ إلى القبورِ جنازةً فــــــــــاعلمْ بأنَّك بعدها محمولُ
***
أيها الإخوة الأكارم ؛ العاقل مَن يضع هذه الساعة نُصْبَ عينيه ، ساعة الموت ، ساعة نزول القبر ، ساعة دخول المسجد في نَعْشٍ ، ساعة الصلاة عليك ، لا أن تصلي في الناس ، كل إنسانٍ لابدَّ من أن يدخل المسجد مرَّةً في حياته ، كل إنسان مسلم يدخله ليُصَلَّى عليه ..
من استحب الحياة الدنيا على الآخرة فقد وعده الله بعذاب شديد :
من هؤلاء الكافرون الذين توعَّدهم الله بالعذاب الشديد ؟
دخل عليه عمر رضي الله عنه فرآه نائماً على الحصير ، وقد أثَّر الحصير في خدِّه الشريف ، فبكى عمر ، قال :
(( عن ابن عباس ... وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ ، فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ . ))
أما ترضون أيها الإخوة أن تكونوا في الآخرة من السعداء ؟ أن تكونوا في الحياة الأبديَّة في الجنَّة ؟ أن تكونوا في مَرْضاةِ الله عزَّ وجل ؟ أن تكونوا في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر ؟ أن تكونوا في ظلِّ الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه ؟ أن تتمتَّعوا برؤية الله سبحانه وتعالى ؟
(( عن أبي سعيد الخدري: لمَّا أعطَى رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - ما أعطَى مِن تلكَ العَطايا في قُرَيْشٍ وقبائلِ العربِ ، ولم يَكُن في الأنصارِ مِنها شيءٌ ، وجدَ هذا الحيُّ منَ الأنصارِ في أنفسِهِم حتَّى كثُرَتْ فيهمُ القالةُ ، حتَّى قالَ قائلُهُم لَقيَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - قَومَهُ فدخلَ علَيهِ سعدُ بنُ عبادةَ فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ، إنَّ هذا الحيَّ قد وَجدوا عليكَ في أنفسِهِم لما صنَعتَ في هذا الفَيءِ الَّذي أصبتَ ، قسَمتَ في قَومِكَ وأعطَيتَ عطايا عِظامًا في قبائلِ العرَبِ ، ولم يَكُن في هذا الحيِّ منَ الأنصارِ شيءٌ قالَ : فأينَ أنتَ مِن ذلِكَ يا سَعدُ ؟ قالَ : يا رسولَ اللَّهِ ما أَنا إلَّا امرؤٌ من قَومي وما أنا . قالَ فاجْمَع لي قَومَكَ في هذِهِ الحظيرةِ قالَ : فخَرجَ سعدٌ فجمعَ النَّاسَ في تلكَ الحظيرةِ . قالَ : فجاءَ رجالٌ منَ المُهاجرينَ فترَكَهُم فدَخلوا . وجاءَ آخرونَ فردَّهم . فَلمَّا اجتَمعوا أتاهُ سعدٌ فقالَ : قدِ اجتَمعَ لَكَ هذا الحيُّ مِنَ الأنصارِ قالَ : فأتاهُم رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - فحمِدَ اللَّهَ وأثنَى عليهِ بالَّذي هوَ لَهُ أهلٌ . ثمَّ قالَ : يا مَعشرَ الأنصارِ مَقالةٌ بلغَتْني عنكُم ، وجِدةٌ وجدتُموها في أنفسِكُم ، ألَم آتِكُم ضُلَّالًا فَهَداكمُ اللَّهُ ، وعالةً فأغناكمُ اللَّهُ ، وأعداءً فألَّفَ اللَّهُ بينَ قلوبِكُم ؟ قالوا : بلِ اللَّهُ ورسولُهُ أمَنُّ وأفضَلُ . قالَ : ألا تُجيبوني يا معشرَ الأنصار ؟ قالوا : وبماذا نُجيبُكَ يا رسولَ اللَّهِ ، وللَّهِ ولرسولِهِ المنُّ والفَضلُ . قالَ: " أما واللَّهِ لو شئتُمْ لقلتُمْ ، فلَصَدقتُمْ وصُدِّقتُمْ أتَيتَنا مُكَذَّبًا فصدَّقناكَ ، ومَخذولًا فنصَرناكَ وطريدًا فآويناكَ ، وعائلًا فأغنَيناكَ ، أوجَدتُمْ في أنفسِكُم يا معشرَ الأنصارِ في لُعاعةٍ منَ الدُّنيا تألَّفتُ بِها قَومًا ليُسلِموا ، ووَكَلتُكُم إلى إسلامِكُم أفلا تَرضَونَ يا مَعشرَ الأنصارِ أن يذهبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبعيرِ وتَرجِعونَ برسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - في رحالِكُم ؟ َوالَّذي نَفسُ مُحمَّدٍ بيدِهِ لَولا الهِجرةُ لَكُنتُ امرءًا مِن الأنصارِ ولَو سلَكَ النَّاسُ شِعبًا وسلَكَتِ الأنصارُ شِعبًا لسلَكْتُ شِعبَ الأنصارِ . اللَّهمَّ ارحمِ الأنصارَ وأبناءَ الأَنصارِ وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ . قالَ : فبَكَى القَومُ حتَّى أخضَلوا لِحاهُم وقالوا : رَضينا بِرَسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - قَسْمًا وحظًّا . ثمَّ انصَرفَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - وتفرَّقْنا . ))
أما ترضى أن يكون الله راضياً عنك؟ أما ترضى أن يكون نصيبك في الدنيا معرفة الله عزَّ وجل ؟ أن تكون مستقيماً ؟ ما لك تتمنَّى ما عند الناس ؟
﴿
﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ
ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس .
أيها الإخوة الأكارم ؛ كن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، انقل همومك كلها إلى الدار الآخرة ..
(( عن عبد الله بن مسعود : مَن جعلَ الهمومَ همًّا واحدًا ، همَّ آخرتِهِ ، كفاهُ اللَّهُ همَّ دُنْياهُ ، ومَن تشعَّبت بِهِ الهمومُ في أحوالِ الدُّنيا لم يبالِ اللَّهُ في أيِّ أوديتِها هلَكَ . ))
(( عن أنس بن مالك : اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلَّها . ))
صفات الكفَّار :
يا أيها الإخوة الأكارم ...
أنواع الضلال :
المعاني المستفادة من قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ :
في عهد سيدنا عيسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام كان الطبُّ متقدِّماً جداً ، فكانت معجزة هذا النبي الكريم أنه يُحْيي الموتى ، وإحياء الميّت مستحيلٌ في الطب ..
إن الطبيبَ له علمٌ يـــــدلُّ بــه إن كان للناسِ في الآجالٍ تأخيرُ
حتى إذا ما انتهتْ أيَّام رحلَتِه حار الطبيبُ وخانته العقاقيـــــــــرُ
***
أي مستحيلٌ في الطب أن يحيي الطبيب الميت ، فجاء سيدنا عيسى وأحيا الميِّت ولكن بإذن الله ، ليثبت الله لهم أن هذا رسول ، هذا رسولٌ من عندي .
وفي عهد سيدنا موسى كان السحر متقدِّماً جداً ، فالذي جاء به موسى أنه أمسك العصا فإذا هي ثعبانٌ مبين ..
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)﴾
الآيات طويلة ، في نهايتها ..
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ﴾
إذاً جاء عيسى بلسان قومه أي بقوَّة العصر ، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام في عصر البلاغة ، في عصر البيان ، في عصر الشعْر ، كان الشاعر مرتبته بعد شيخ القبيلة ، أي المنصب الثاني بعد المنصب الأول في القبيلة ، شيخ القبيلة شاعرها لشدَّة رِفْعَةِ الشعر ، المُعَلَّقات قصائد كُتِبَت بماء الذهب وعُلِّقَت على أستار الكعبة ، جاء النبي عليه الصلاة والسلام ومعه كتابٌ فيه إعجازٌ وفيه إيجاز ، ما هو بشعر ولا هو بنثر إنه كالسحر ، وهذا الكتاب على قدر ورعك ، وعلى قدر استقامتك ، وعلى قدر اتصالك بالله تنكشف لك حقائقه ، إنه لا يَبلى ، لا يَخْلق على كثرة الترداد .
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) ﴾
هذه الآيات الكونيَّة تستطيع أن تشرحها وهي بابٌ واسعٌ تدخل منه إلى الله سبحانه وتعالى ..
الإنسان مخير من يشاء الهُدى يهديه الله ومن يشاء الضلالة ينطلق في طريقها:
الله تعالى عزيز حكيم يضع الأشياء في مواضعها :
(( الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ ، فلا تَقُلْ : لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ . ))
أيّام الله :
قد يكون ابنك في مرضٍ عُضال ،وتدعو الله سبحانك وتعالى فيستجيب لك ويشفيه ، هذا يومٌ ثانٍ من أيَّام الله .
قد تكون في ضائقةٍ ماديَّةٍ خانقة يأتيك رزقٌ من حيث لا تحتسب ، هذا يومٌ من أيَّام الله .
قد تسأل الله الهدى فيجمعك برجلٍ على حق ، هذا يومٌ من أيَّام الله .
قد تسأل الله زوجةً صالحة فيرزقك الله زوجة صالحة ، هذا يومٌ من أيَّام الله .
قد تسأل الله بيتاً يؤويك يهبك الله هذا البيت ، هذا يومٌ من أيَّام الله .
قد تقع في ورطة وترى الهلاك فيها تدعو الله مخلصاً فينجّيك منها ومن كل كرب ، هذا يومٌ من أيَّام الله ، فالمؤمن لا ينسى أيَّام الله ، يذكرها دائماً ، يطأطئ رأسه تواضعاً لله ، كلَّما ذكر أيَّام الله :
(( ألم تكونوا ضُلاَّلاً - هكذا قال عليه الصلاة والسلام للأنصار - أما أنتم فلو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصُدِّقتم به : أتيتنا مكذباً فصدَّقناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فأغنيناك ـ هذا حق ـ لو قلتم هذا لصدقتم ولصُدِّقتم به ، يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي - هذا يومٌ من أيَّام الله- ألم تكونوا أعداءً فألَّف الله بينكم ؟ ألم تكونوا عالةً فأغناكم الله ؟))
إذا فتح شخص دفتراً وكتب : أيَّام الله عنده ، يوم نجَّاهُ الله عزَّ وجل من المرض الفلاني ، يوم زوَّجه فلانة ، يوم أعطاه هذا المحل التجاري ، يوم هَيَّأ له هذا المنزل ، يوم وقع في مشكلة كبيرة جداً فنجَّاه الله منها ، ذكِّر نفسك بأيَّام الله .
كن عن همومك معرضاً وكِلْ الأمور إلى القضـــا
وأبشر بخيــــــــــــرٍ عاجــلٍ تنــس به ما قــد مضـــى
فيــــــــــا رُبَّ أمرٍ مُسخــطٍ لك في عواقبــــــه رضــــــا
ولربَّمـــــا ضاق المضـيق ولربَّمــــــا اتسع الفضــــــا
الله يفعـــــــــــل ما يشـــاء فـــــــلا تكونَنَّ مُعتـــرضـــــا
الله عوَّدك الجميـــــــــــــــل فقس على ما قـد مضى
***
الله عوَّدك الجميل في أيام الله .
فكل واحدٍ منَّا إذا أمكن أن يكتب لنا على دفتر أيَّام الله ، يذكِّر نفسه فيها ، فالله أمرنا أمراً ، قال :
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين